تشابه الأحداث و تباين الرؤى و الردود

تشابه الأحداث و تباين الرؤى و الردود

كثيراً ما نسمع عبارة (( التاريخ يعيد نفسه )) عبارة جميلة يراد بها العضة , تقال بعد حدثٍ ما .

تتشابه الأحداث التي يمر بها البشر و تتشابه معاناتهم و تتشابه ردود أفعالهم و ما كان نشازاً كان من رؤية مختلفة . و لتوضيح ما أرمي إليه ... إليكم بالقصة التالية:

جلس 4 شباب على طاولةٍ مستديرة في أحد مقاهي المدينة و هم بدر و كمال و حسام و فوزي و بينما كان فوزي يتحدث عن رحلته الأخير لسلسلة جبال زاجروس مرَّت امرأة من جانب المقهى فتخرطفت و سقطت على الأرض و بانت ملابسها الداخلية و أخذت تبكي . في تلك الآونة كان فوزي و زملاءه يشاهدونها ماذا كانت ردود الأفعال :

بدر      :         أخذ بالضحك إذْ رأى أنَّ حادث السقوط مضحك .

كمال     :         علق تعليقات جنسية إثر رؤيته الملابس الداخلية , إذْ رأى أنَّ الحدث مثير جنسياً .

حسام     :         علق تعليقات تنم عن التعاطف و الشفقة عليها , إذْ رأى أنَّ الحدث مثير للتعاطف .

فوزي    :         تابع الحديث بدون توقف و لم يعلق . إذْ رأى أنَّ الحدث غير مثير و لا يستحق التوقف عنده .

انتهت القصة ... التحليل :    

لو لاحظت فإنَّ الحدث هو الحدث لم يتغير ولكن رؤى الجالسين تباينت و بالتالي تباينت ردود أفعالهم.

و هكذا الأحداث في الدنيا دائمة التكرار بمواضيعها مع اختلاف شخصياتها و أماكن حدوثها , و الأحداث منها ما هو مؤلم و منها ما هو سار و منها ما توسط . ما يهمني المؤلم منها و المزري . و الملاحظة الثانية هو أنَّ الأحداث لا يمكن تغييرها لأنها أحداث حدثت في الماضي و الماضي لا يمكن تغييره بقي الممكن تغييره و الممكن تغييره :

1.      الرؤية .

2.      انعكاسات الرؤية .

و يمكن للإنسان تغيير رؤيته من خلال تغيير زاوية إلقائها و إذا ما نجح الإنسان في تغيير رؤيته المؤلمة فقد يتغييَّر الألم إلى سرور و بالتالي تتغير ردت الفعل لتتوافق مع الباطن .

قاعدة:   

النية و الرؤية السليمة تزيد من راحة الإنسان نفسه و النية السيئة و الرؤية السلبية تزيد من تعب الإنسان نفسه.

بعض الأمثلة:    

1.      اتصلت بصديق و لم يرد عليك . إذا حدثت نفسك بأنه رأى رقمك و تعمد التجاهل فإنَّ ذلك سيجعلك تتضايق و بالتالي تقطع اتصالك به نهائياً . و إذا حدثن نفسك بأنَّه كان نائماً أو يغتسل أو يصلي أو في اجتماعٍ فإنَّ تلك النية ستنعكس عليك بالراحة النفسية و ستكون ردة فعلك بأنْ تعاود الإتصال مرة أخرى في وقتٍ لاحق .

2.      استثمرتَ أموالك في مشروعٍ صغير و المشروع خسر . إذا حدثتَ نفسك بأنَّ ذلك حدث بسبب معصيةٍ ما و كانت رؤيتك للخسارة بأنها عقاب من الله عز و جل فإنَّ ذلك سيجعلك تشعر بالضيق و الكآبة لفترةٍ طويلة . إذا حدَّثْـتَ نفسك بأنَّ ذلك حدث لأنَّ الله يحبك و أخذ عنك المشروع الصغير ليعطيك خيراً منه أو ليقيك شراً كامناً فإنَّ ذلك سيشعرك بالسعادة.

3.      خطبتَ امرأة و حالت بينك و بينها أمورٌ عرقلة الزواج لا تحزن فلربما حال الله بينك و بين تلك المرأة لصالحك فلربما كانت المرأة لا تستحقك و لربما أراد الله أنْ يزوجك خيراً منها .

و القصة الواردة في سورة الكهف التي اعتدنا على قراءتها يوم الجمعة على وجه الخصوص تشكل أبلغ مثلٍ على تغير زاوية الرؤية للأحداث , فسيدنا موسى عليه السلام عندما رأى سيدنا الخضر يخرق سفينةً بلا سبب و يقتل غلاماً بلا سبب ثم يقيمُ جداراً بلا أجر استنكر ما رآه و لما شرح سيدنا الخضر الأسباب الكامنة وراء تلك الأفعال و هي معروفة و لا داعي لذكرها تغيرت رؤية سيدنا موسى عليه السلام للأحداث و لم يستغربها .

إنَّ مصطلح ( الثقة بالنفس ) نابع من رؤية الإنسان نفسه و تقييمه لها و قدراتها و من كانت رؤيته لنفسه خاطئة و تقييمه لقدراته في غير محلَّة كانت ثـقـته في نفسه وبالاً عليه ( + أو - ) و لذلك ترى أنَّ معظم المشاكل التي يتعرض لها الإنسان و الدول نتيجة ما يلي :

1)      سوء تقدير الذات .

2)      سوء تقدير الأعداء و الخصوم .

3)      سوء تقدير المحيط .

و سوء التقدير ناتج عن سوء الرؤية . إنَّ الوتر الذي يلعب عليه الطبيب النفسي في معالجة مرضاه هو تصويب رؤيتهم للواقع فغالباً ما تكون رؤية المريض نفسياً للواقع مشوهة و بالتالي تكون أفعاله مشوهة بنفس القدر . فإذا لبست نظّارة حمراء من الطبيعي أنْ ترى كل شيءٍ حولك أحمر و إذا لبست نظارة خضراء من الطبيعي أنْ ترى كل شيءٍ حولك أخضر و مهمة الطبيب النفسي أنْ يخلع النظارات الملونة من على أعين مرضاه و يمكِّـنَـهم من رؤية الواقع بألوانه الطبيعية .

و أخيراً أستحضر مقولة المتـنبي الواردة في إحدى قصائده القائلة .

و من جهلت نفسُهُ قَدرَهُ *** رأى غيرُهُ منهُ ما لا يرى

هذا و لكم منّي أطيَبَ تحيَّة .

 

بو بطي    الخميس    23/9/2010 م

 

تعليقات زوار الموقع على المقالة
   

 زوار اليوم:

198

 العدد الكلي:

1052320

الرئيسية ::الشعر ::المقالات ::المؤلفات ::أفكار ::سجل الزوار ::صور ::مواقع ::استطلاع ::إحصاءات ::فيديو ::راسلني

© جميع الحقوق محفوظة لموقع الشاعر محمد بن سيف العتيبة 2025 الموقع الفرعي